(عملية دجلة ١٩٦٣) کتاريخ ونموذج عراقي لحل القضية الکوردية

بعد إنقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ ومجيء البعثيين الی الحکم في العراق، تبادل کل من الحزب الديمقراطي الکوردستاني (الپارتي) وحزب البعث العربي الإشتراکي (البعث) برقيات التهنئة. تبعها إرسال الپارتي وفدا إلى بغداد للبدء بالمفاوضات من أجل إنهاء الصراع المسلح بين الکورد والحکومة العراقية وحل القضية الکوردية بالطرق السلمية. إستنادا الی الوعود التي حصلت عليها القيادة الکوردية قبل ذلك من قيادات حزب البعث. ولکن تبين من أول جولة للمفاوضات في نهاية آذار و بداية نيسان ١٩٦٣ مدى البعد الشاسع بين الطرفين وتم رفض المطالب الكوردية من قبل وفد البعث المفاوض. وبينما كان أعضاء الوفد الكوردي في طريق العودة إلى السليمانية ألقي القبض عليهم في كركوك وأودعوا رهن الإعتقال، وقررت حكومة البعث حسم الموقف عسكريا. كان العسكريون العراقيون (البعثيون) يعتقدون بأن الجيش يستطيع أن يشن عملية واسعة ضد الكورد ويحرز النصر التام في فترة وجيزة جدا. وبينوا بأن عبد الكريم قاسم لم يكن يقاتل الكورد بجدية. ومن هنا بدأت الحملة العسکرية التي سميت بـ(عملية دجلة) أو الحملة العسكرية العراقية في الشمال. وهي حملة عسكرية قادها الجيش العراقي على مواقع قوات البيشمركة في کوردستان في بداية شهر حزيران ١٩٦٣

تألفت القوات العراقية المشارکة في العملية من الفرقة الرابعة الجبلية وقوات الجحوش “چەتە” من العشائر الکوردية المناهضة للثورة. تحت قيادة كل من يونس عطار باشي وخليل جاسم الدباغ وعبد الجبار شنشل وسعيد حمو وإبراهيم فيصل الانصاري والزعيم عبد الرزاق السيد محمود متصرف السليمانية وآخرين. کذلك شارکت الفرقة الثانية المرابطة بكركوك بالعملية، إضافة الی (لواء اليرموك) من الجيش السوري بقيادة العقيد (فهد الشاعر). إضافة الی وحدات من سلاح الجو الترکي. أما القوات الكوردية فکانت تضم قوات الـ(پێشمرگە) وقوات جيش الأنصار بقيادة الجنرال مصطفى البارزاني. کذلك شارك العديد من الضباط الشيوعيين الذين فروا من الجيش العراقي بعد حركة ٨ شباط ١٩٦٣ في التصدي للحملة العسکرية. إضافة إلى نوع من الدعم اللوجستي من دول أجنبية حسب بعض المصادر.

بدأت الحملة بهجوم واسع للجيش العراقي بمختلف الأسلحة برا وجوا على مواقع قوات الـ(پێشمەرگە). رافقتها حملات اخرى مقترنة بهذه الحملة لافساح المجال للهجوم الشامل، مثل الحملة العسكرية العراقية على جبل مقلوب والحملة العسكرية العراقية على ألقوش. وكان أبشع العمليات العسكرية الحاقدة التي شنها الجيش العراقي في يوم ٦ حزيران ١٩٦٣ حيث قام العميد صديق مصطفى بمجزرة ضد المدنيين العزل في مدينة السليمانية راح ضحيتها أكثر من أربعمائة من الأبرياء العزل من سكان المدينة. وفي صباح يوم ٩ نوفمبر تقدمت قطعات الجيش العراقي والجحوش ولواء اليرموك السوري علی محور (پيدە- أتروش) ومحور (ئالوكا- سینا- پیرموس) وأخيرا محور (فايدە- عين سفني ‘شيخان’). وقام لواء اليرموك السوري بالعسكرة فوق جبل دهوك بينما تقدمت قوات الجحوش بقيادة خليل الدباغ من فايدە حتى عين سفني للسيطرة على المنطقة والجبال المشرفة عليها من (القوش- باعدرة- عين سفني). أما القطعات الاخرى من الجيش العراقي فقد تقدمت من دهوك باتجاه قرية (پێدە) ثم إلى أتروش. ولم يتصد الـ(پێشمەرگە) للجيش وانسحبوا أمامه دون مقاومة مما أدى لسيطرة الجيش على أتروش.

إستمرت الحملة ومعاركها حتى شباط عام ١٩٦٤. وبالرغم من النجاحات الأولية إلا أنها لم تحقق أهدافها كاملة وتوقفت بعد معركة (جبل متين) حيث تمکنت قوات قليلة من الـ(پێشمەرگە) المرابطين بالجبل في محور (سري ئاميدي) وبالتحديد عند قمم (چار چل) بعد قرابة ٤٥ يوما من القتال المستمر مع قوات کل من الدولة العراقية والسورية والترکية من وقف تقدم هذه القوات. کذلك أسهمت هجمات المباغتة الليلية لمجموعة من الـ(پێشمەرگە) الفيدائيين علی مواقع هذه القوات علی أجبارهم علی التراجع وترك مواقعهم وبالتالي التنازل عن فکرة صعود وإحتلال تلك السلسة الجبلية. يقول الدکتور رزگار محمد في کتابه (عملية دجلة): “أما علی موقع جار جل (سەري ئاميدي) فکان الوضع مختلفا تماما، إذ لم تتمکن القوات الحکومية من تحقيق أي نجاح يذکر سوی إيجاد موطئ قدم لها بسبب المقاومة الشديدة التي جابهتها من لدن الـ(پێشمەرگە) المدافعين…” وتلی هذه الإنکسارات هزيمة الجيش العراقي في معركة راوندوز أيضا.

أخيرا أدی تقهقر القوات العسکرية وإنسحابها أمام مقاومة الـ(پێشمەرگە)، إلى ظهور آراء مختلفة بين صفوف البعث ووجهت إنتقادات لسياسة الحکومة في التعامل مع القضية الکوردية. وبالتالي أدی الی حدوث إنقسامات في صفوف البعث. يقول الدکتور رزگار محمد: “شکل دحر هجوم القوات الحکومية في برواري بالا نهاية فاشلة لأکبر واوسع حملة شنتها بغداد علی الثورة الکوردية في منطقة بادينان حتی ذلك التاريخ. فبالإضافة الی أنها أمست هزيمة عسکرية تحولت الی فضيحة سياسية لاحقت النظام الجديد، هيأت أرضية ملائمة لإنقلاب ١٨ تشرين الثاني ١٩٦٣”. وعلی إثر هذه التطورات أعلن الرئيس العراقي عبدالسلام عارف وقفا لإطلاق النار، ووافق عليه الملا مصطفى البارزاني. وأدت هذه الموافقة الی حدوث إنقسامات بين الفصائل الكوردية أيضا. بين قوات الـ(پێشمەرگە) الموالية للجنرال مصطفى البارزاني من جهة وبين المتشددين من القوميين الکورد من أنصار إبراهيم أحمد سکرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني وجلال طالباني الراغبين بمواصلة القتال من جهة اخرى. وفعلا حدث ما کان يخشاه الفريق الثاني فالحکومة العراقية لم تکن جدية في إدعاءاتها وإستفادت من الهدنة للمماطلة وبغية إعادة تنظيم الجيش والسير علی خطی الحکومة السابقة في ترجيح وفرض الحل العسکري للقضية، ضاربة بذلك کل الاتفاقيات والوعود عرض الحائط. ورغم کل الهزائم والإنکسارات والخسائر والنتائج بإعتقادي أن القيادات العراقية لا تزال تؤمن بنفس النهج العسکري الی يومنا هذا وبدون إستثناء. ما يستوجب علی الشعب والقيادات الکوردية عدم التغافل عنه حاضرا ومستقبلا وتحت أي ظرف.

المصادر التي تم الإستفادة منها لکتابة هذه المقالة:

 • د. رزگار محمد، عملية دجلة، مطبعة جامعة صلاح الدين، أربيل ٢٠٠١.

 • مذکرات ئالیخان ع. ئالیخان، من الـ(پێشمەرگە) المرابطين في محور (سري ئاميدي).

 • مذکرات ومقالات ومقابلات لضباط عراقيين عن العملية. 

Leave a Comment

پۆستی ئەلیکترۆنییەکەت بڵاوناکرێتەوە. خانە پێویستەکان دەستنیشانکراون بە *

Scroll to Top