ليس هناك في كوردستان شخص واحد يشك او لا يعرف حجم الفساد المالي والإداري الذي يحدث في المؤسسات الحكومية والحزبية وفي الدوائر وحتى في اتفه الأمور اليومية. هذا الفساد الذي اصبح الكل جزءاً منه بشكل أو بآخر. الفرق فقط يكمن في معرفة البعض لبعض التفاصيل الصغيرة والتي لا تغير في المشكلة كثيراً ومحاولتهم إشغال الناس ببعض الأرقام والتي لن تغير في الموضوع شيئاً بالنسبة للشخص العادي وعامة الشعب. فبالنسبة للشعب سيبقى الوزير الفاسد فاسداً لسرقته رزمة أوراق أو رزمة نقود، والمسؤول الفاسد او الموظف الفاسد فاسدٌ لو أخذ رشوى بقيمة الف دينار او مليون. ولكن هذه المعلومات الدقيقة مهمة للشرطة والمحكمة لانهم يقررون الحكم حسب تلك المعلومات. لذا فان هذه السفسطة الإعلامية تصب دائماً في مصلحة الفاسدين، لانهم يعرفون الحقيقة جيداً ويعرفون بان الناس يعرفون كل هذا وأكثر من ذلك أيضا، ويعرفون بان الناس ومن حولهم يسرقون أيضا او علی الأقل يحاولون ذلك. وهؤلاء الناس هم من يتملقون ويحترمون هذا السارق ويقدسونه أحيانا، فكلما كنت سارقاً كبيراً كلما أصبحت مكانتك اكبر في عيون الناس او لنقل في مجالسهم وعلى موائدهم. فهؤلاء لا يخافون من التفاصيل هذه ولكن من التغيير الحقيقي ووجود البديل الحقيقي. ولا يعني البتة بانك أصبحت من المعارضة فقط عندما تقول بان هناك فساد في البلد فهذه سخافة وغباء؛ فهناك المئات من الفاسدين الذين يخرجون يومياً على شاشات التلفزيون وهم يبكون على الوطن ويهاجمون الفساد والفاسدين.
إن فكرة ان تكون معارضاً حقيقياً اكبر بكثير مما يحدث عند المعارضة في كوردستان الجنوبية. فلا يمكن لمن شارك في الفساد او كان جزءاً منه أن يصبح بين ليلة وضحاها رئيساً او قائداً أو سفيراً للمعارضة. فعندما كنا نعارض أمثال نوشيروان مصطفى او برهم صالح او شاسوار عبدالواحد فلم يكن ذلك دفاعاً عن الأحزاب الحاكمة بل العكس صحيح. فالمعارضة تحتاج لأشخاص لم يشاركوا ولم تتسخ أيديهم بفساد السلطة والمال. لان المعارضة الفاسدة أكثر أذيةً للشعب من السلطة الفاسدة، وما يحدث في العراق خير دليل على ذلك، وبدون تشبيه. المعارضة الحقيقية هي المعارضة التي تستطيع أن تقرأ الواقع الاجتماعي والتاريخي والسياسي والاقتصادي… للمجتمع قبل قراءة هؤلاء الفاسدين. المعارضة الحقيقية هي المعارضة التي لا تقبل في صفوفها الفاسدين. المعارضة الحقيقية هي المعارضة التي تستطيع ان تقدم بديلاً أفضل في جميع ما يخص هذا الشعب ويقدم مصلحة الشعب على مصالحه الحزبية والشخصية الضيقة. المعارضة الحقيقية هي المعارضة التي لديها رؤيا صحيحة وحقيقية لمستقبل هذا الشعب، سواء أكان من الناحية القومية والوطنية أو الاجتماعية او الاقتصادية. المعارضة الحقيقية هي التي تحترم تاريخ شعبه ورموزه الوطنية بغض النظر عن انتمائاتهم السياسية. المعارضة الحقيقية هي التي تحاول جمع شتات الشعب والأحزاب في المسائل المصيرية. المعارضة الحقيقية هي التي لا تحاول إقصاء الاخر وتحاول ان تكون سبباً للتوحد لا للتفرق. المعارضة الحقيقية هي التي تتعامل مع الواقع لا الخيال. المعارضة الحقيقية هي التي تحترم ناخبيها ومؤيديها ولا ترمي بهم في أحضان الفاسدين من اجل السلطة والمال. المعارضة الحقيقية هي التي تستطيع التعامل مع جميع الأحزاب والمكونات حينما تكون هناك مصلحة للشعب في تلك الخطوة، المعارضة الحقيقية هي المعارضة التي تعمل بشفافية ووو… الخ.
أريد فقط تذكير نفسي والآخرين بالفترة من ١٩٩١ وحتى ٢٠٠٩، هل كان هناك فساد ام لا؟ هل كان الشعب يعرف ذلك ام لا؟ هل كان يفترض بهؤلاء الذين شاركوا الحزبين في فسادهم حينها وشاركوهم في قتل الشباب وشاركوهم في حرب الإخوة، أن يقودوا المعارضة اليوم؟ هل يمكن لمن بنى ثروته على الغش والخداع والمحسوبية أن يقود المعارضة؟ هل يمكن لمن يقف ضد قيام الدولة الكوردية أن يكون معارضا حقيقياً ويؤتمن جانبه؟ هل يمكن لمن يفضل محتلي بلده وأحزابه على أحزاب أبناء جلدته، ان يكون معارضاً حقيقياً؟ هل يمكن ان تضع يدك في يد عدو ومحتل بلدك للنيل من خصومك، وتسمى باسم المعارضة الحقيقية؟ هل يمكن لمن يتهجم عليك و يسبك ويحاول اسكاتك لانك انتقدته او انتقدت حزبه او رئيسه، ان يسمي نفسه معارضةً حقيقية وبديلاً حقيقياً؟ إن ما يحدث اليوم في كوردستان الجنوبية أصبحت تجارة رابحة، فالأحزاب الكثيرة الموجودة أصبحت دكاكين سياسية تباع وتشترى فيها المناصب والمصالح. تستطيع ان تكون معارضاً حقيقياً دون ان تنتمي لأي حزب سياسي، وتستطيع أن تكون ذَا فائدة لشعبك وانت في السلطة وتستطيع ان تكون وطنياً وانت مع أحزاب السلطة او المعارضة، ولكن المهم انت تكون أهلاً لثقة الناس وانت تكون محباً لبلدك وقوميتك وان تضع مصلحة العامة فوق مصلحتك الخاصة، ان تقول لا حينما يكون الشعب هو المتضرر وإن كان حزبك هو المتضرر وان تقول نعم حينما تكون المصلحة العامة والشعب هو المستفيد الأول والأخير ولو كان حزبك معارضاً. فهذه هي المعارضة الحقيقية والسياسة التي سوف تصلنا لبر الأمان، وليس السب والشتم وإتهام الاخر ومعارضته في كل شيء.
أتمنى أن أرى في يوم من الأيام معارضةً وحزب حقيقي يقوم في كوردستان من المعارضين الحقيقيين اللذين لم تتسخ أيديهم وعقولهم بعد، معارضة من أشخاص مثقفون ووطنيون ومخلصون؛ وليس إعلاميون يعرفون فقط الرقص على الكلمات والتشهير والتجريح، أو تجاراً يستطيعون التجارة بكل شيء من اجل السلطة والمال، أو سياسيون فاسدون قدماء يريدون الانتقام والحصول على مناصب اكبر من خلال اسم المعارضة، أو معارضون يحبون قراهم ومدنهم ولهجاتهم اكثر مما يحبون كوردستان وأرضه ولغته ويستطيعون الجلوس في أحضان محتلي ارضه وتقديم كل شيء له مقابل النيل من خصوم سياسيين أو نيل حصة او كرسي على مائدة المحتل. لكي تكون معارضاً حقيقيا كن كوردستانياً حقيقياً.
- مدير تحرير موقع روز ارتيکل الالکتروني.