يقول المفكر هوشنك بروكا “أن الأيزيديين قضية بلا شعب”. فعلى الرغم من عمق المعنى في القول اعلاه، والذي يعود أصل معناه الى لقاء القادة الأيزيديين بالحاكم المدني للعراق پول بریمر بعد سقوط حكم صدام. وبیعهم للشعب في اسواق كورستان، لتبقى القضية وحدها تصارع التقلبات، في جغرافية ملتهبة بين اعداء كثيرين في وطن واحد. وحينها تم تحويل الايزيديين من شعب له قضية، ووزن، الى قضية مجردة من شعب ووزن بلا قيمة. مع تسلم الامير تحسين سعيد بك زمام الامور، ومفاتيح القضية الى شخص السيد مسعود بارزاني ليكون ولي الأمر. من المؤسف ان بعض الاكراد يتهمون الايزيديين في جريمة الابادة الجماعية وخيانة الثالث من آب على انهم تقاعصوا مع داعش، وفسحو المجال لبسط سيطرتهم على شنكال بحجة البعثية. ومع أن الكلام من هذا القبيل كذبة ما بعدها كذبة، ولكن حتى لو كان ذلك صحيا فتبعيات المسألة يتحملها البارتي دون غيره. لان حقيقة شنكال تقول أن البارتي تخلى عن مناضليه القدامى ابان سقوط صدام في شنكال وعيّن على ملاك حزبه كل من له صله بالبعثية، من رؤساء عشائر وآمري سرايا أبي فراس الحمداني واعضاء فرق ورفاق. وهؤلاء كما هلهلوا لصدام وطاعوا اوامره إبان حكم الرئيس القائد المجاهد البطل، فعلوا الأمر ذاته مع “سه رۆكێ هێژا وخۆشتفى”. وهم انفسهم اليوم الى جانب “لبيك يا حسين”. ما يعني أنهم قطيع اللقمة وليسوا قطيع السلاح.
بعض الايزيديين عادوا ليستذكروا امجاد صدام وهم على حق. لأن التاريخ يقول أن الأيزيديين طيلة حكم صدام لم يتعرضوا لابادة جماعية، ومسألة ترحيلهم من قراهم الاصلية عام ١٩٧٥ لم تكن لتحدث لولا وجود “العصاة” في الجبل. وهي تسمية اطلقت على المواليين للحزب الديمقراطي الكوردستاني ابان ثورتي ايلول وگولان على بيشمركة البارزاني في شنكال. الا ان الايزيديين وبعد ان سلم اميرهم مفاتيح امور شعبه ودينه وقضيته لمسعود بارزاني، تعرضوا لابادتين من أبشع الابادات في العصر الحديث. ناهيكم عن حرق بيت الامير نفسه من قبل ابناء مدينته من الكورد، بعد حادثة مقتل دعاء وتكفير الايزيديين في العلن على منابر رسمية في كوردستان. لينتج عن الاحداث جميعها قضية بلا شعب. كان من الممكن أن تستعيد القضية الموجودة شعبها غير الموجود بعد الابادة الاخيرة. وهي المرة الاولى التي تتفشى صيت الايزيديين دوليا، والاهتمام الكبير الذي لاقته القضية عالميا لولا تحاشي الشعب من حصته في القضية وتركها بين أيدي من تخلوا عنهم، وتسببوا في ابادتهم تارة. وبين من استغلوا فراغ السلطة في مناطقهم ليبنوا على ارضهم وبشبابهم دويلات صغيرة ساهمت في تشتت ما تبقى منهم على اساس قومي وحزبي.
من يقرأ واقع الايزيديين حاليا كشعب يعيش على ما هو عاجل، سوف يدرك أنهم صفر على شمال القضية. لانهم بصريح العبارة ينتظرون ما سيحدث بدلا من استحداثهم لأمرهم. يعيشون الحدث اثناء وقوعه بدلا عن صدهم له قبيل الوقوع.. يشرعون لماضيهم. تاركين حاضرهم ومستقبلهم لقدر من الاقدار. لذلك تراهم الان منشغلين بكأس آسيا أكثر من مستقبل ادارة شنكال وبأهداف “ميمي” اكثر من أهداف تركيا وايران بشنكال. ملفات كثيرة تنتظر حلول عاجلة في القضية الايزيدية والتي غضت عنها الطرف كل الجهات. ومن ببنها ملف المصالحة باعتباره اكثر الملفات تعقيدا، وذلك لعدم وجود جهة مخولة من قبل الايزيديين للدخول الى المفاوضات مع العرب. الأمر الذي دعا افراد من الايزيديين بين فترة واخرى لمشاركة فعاليات تتبناها حكومة بغداد. يقابلهم افراد اخرين يرفضون تمثيلهم، مما يساعد على عودة العرب لمناطقهم مستغلين فراغ عدم وجود من يمثل الايزيديبن رسميا في التفاوض حول تسليم الجناة والبحث عن الايزيديات السبايا في مناطق السنة داخل العراق وسوريا.
ولولا تنامي روح القيادة والمسؤولية لوافق العراق على جملة من المشاريع العملاقة في شنكال مع بداية الاعلان عن موازنة السنة الحالية، بضغوطات أممية تعمل على ملف ابادة الايزيديين وتلك المنظمات التي تعمل في الجانب ذاته، الا ان الأمور الربحية والتي استغلها افراد ومنظمات ايزيدية الى جانب تلك المنظمات الدولية، والجهات الاممية شجعت اطراف اخرى لدخول ذلك السوق ليتم فيها بيع القضية أمام مكاسب مادية. حتى باتت كل المنظمات والجمعيات والكروبات التي تعمل على القضية الايزيدية ربحية بحتة. وكذلك الافراد الذين يجمعون الاموال بداعي مساعدة الفقراء والمرضى، ربحوا اضعاف ما صرفوا. مما دعا المتبرعين في الخارج مثلا أن يتجنبوا دلالي المرضى والفقراء، الذين استغلوا مواقع التواصل بالاخبار العاجلة عن المرضى والمعوزين لاهداف ربحية. وتلك الاخبار العاجلة ايا كانت كشفت عن الامور السلبية في المجتمع الايزيدي وطريقة تفكيرهم للاخرين، في كل صغيرة وكبيرة. حتى باتت كل الخطط ، والاهداف، والخطوات مكشوفة للجميع. وبذلك تخلى من كان يفكر ان يحسب للايزيديين حساب عن مخاوفه، وتعامل معهم معاملة الباطل السليط وهو على حق حتى وان كان زهوقا.
- کاتب وصحفي ناشط مستقل مقيم بألمانيا