بعد سقوط النظام العراقي الاسبق ودخول القوى السياسية والعسكرية الكوردية الى شنكال، وقف العالم في طوابير طويلة لاستقبال اصحاب اليشماغ الاحمر ورددوا شعارات كانوا قد حفظوها بعضهم ايام ثورتي ايلول وگولان. ومن تلك الشعارات “پێشرەوی کورد پارتییه.. سەرۆکمان بارزانيیە”.
الناس ظنوا ان زمن القمع قد ولى دون عودة، وان الايزيديين سوف يكونون اصحاب ارضهم وعرضهم بوجود اخوة لهم، تسببت الدكتاتورية البعثية بابعادهم. حلم الكثير من الشنكاليين تحقق وهم انتظروا لسنوات طويلة برؤية البيشمركة في بلدتهم، خاصة وانهم قد سمعوا ان القيادات الكوردية تكن للايزيديين وديانتهم كل الاحترام، ويعتبرونهم “اصلهم”.
سربست الاول
جاء سربست طروانشي حاكما سياسيا وعسكريا الى شنكال، ومعه قوة مدججة بالسلاح لحماية شخصه، يجوب بها شوارع القرى والقصبات في شنكال مع اطلاق زعيق السيارات العسكرية، حتى يخافه الناس بفرض هيبته على المنطقة. الطروانشي كان حاكما لم يختلف يوما من الايام عن اي حاكم “بعثي” من خلال فرضه القوة، وصعوده على كلامه، و”اهانته” للناس ايا كان منزلته، وله جملة شهيرة بحق وجهاء شنكال يتذكرها الكثيرين، حين قال في احدى اجتماعاته “وجهاء شنكال مثل المعيز اذا قطعت عنهم العلف بدأوا بالثغاء”.
منذ عام ٢٠٠٦ وانا كنت قريبا من مركز القرار الحزبي في شنكال وأحد أوجه الاعلام الحزبي في الفرع ١٧، وكنا حينها نعمل في اصدار جريدة “رۆژ” المطرّزة بصور الطروانشي حتى يتم صرف تكاليف الطبع. وايضا قمنا باصدار عدد واحد من مجلة “رۆناهى” وكنا قد قررنا ان تكون خاصة بالبحوث وكنت رئيسا لتحريرها، الا ان الطروانشي لم يوافق على دفع التكاليف الا ان قمنا بتغيير محتويات كثيرة. وفي الاخير اصدرت المجلة وفيها ٢٤ صورة للزعيم الحديدي سربست طروانشي.
خطابات الطروانشي واجتماعته مع اهالي شنكال كانت عسكرية ثورية اكثر مما هي تنظيمية. للحق نقول هنا انه كانه صارما حتى مع الامريكان الذين كانوا يزورون مقره بين حين واخر. الطروانشي سربست حوّل شنكال الى ثكنة عسكرية له، ومقرا حزبيا لا يقبل باية اراء مخالفة. وفي فترة حكمه بشنكال لاكثر من ستة سنوات، لم يشهد القضاء اية تغيرات الا من ناحية جمع الاصوات لحزبه ايام الانتخابات، وكسب الاصوات الحرة لتتحول الى ابواق حزبية “وانا منهم”، وذلك كان خيارا لا ثاني له للكثيرين لانه كان من السهل جدا أن يسجنك، او يلصق بك تهمة من التهم الكثيرة، وتتحول الى مجرم، او خائن اذا رفضت الخضوع له! كيف لا وكل الاجهزة العسكرية العراقية والكوردية كانت تخضع له وتخافه!
“فاجعة کرعزير وسيبا شيخ خدر”
الكثير من اهالي كرعزير و سيبا شيخ خدر يعلمون جيدا ماذا جرى يوم 14.8.2007 حين انفجرت اربع شاحنات مفخخة لتودي بحياة ٣١٢ شخص، وجرح اكثر من ٧٠٠ اخرين. حين دخلت تلك الشاحنات في تمام الساعة السابعة واثنان وعشرون دقيقة من خلال نقاط وسيطرات “البيشمركة” التي تم اخلائها قبل الانفجارات باقل من عشرون دقيقة! هذه الصراحة كنا نعلمها جيدا، ولكن لم يكن بمقدور احد ان يبوح بها، باستثناء بعض المعارضين لسياسته وهم ايضا كانوا مطاردين، ومستفيدين من معارضتهم لدى توجهات سنية، واخرى شيعية خارج شنكال.
في عهد طروانشي اصبح العديد من كوادره القريبين والقادمين من خارج شنكال وعلى راسهم مدير مالية الفرع ١٧ للحزب من اغنى اغنياء دهوك في سنوات معدودة جدا. بعد ان كانوا يعملون بمرتب شهري قدره ٣٥٠ الف دينار، واخرين من كوادره القادمين معه جعلوا نصف الايزيديين معتمدين للاستخبارات على بعضهم البعض، والحقيقة تقول ان في عهده لم يكن حتى چایچي المؤسسات الامنية والاستخباراتية للحزب من الايزيديين، وكذلك مسؤول الاساييش ونائبه، وحتى الدائر المدنية مثل الزراعة، والتربية، ومستشفى شنكال العام و…الخ لم تكن بايدي الايزيديين مع ان الايزيديين كانوا يشكلون نسبة اكثر من ٨٠% من مجموع سكان شنكال.
ليس هذا فحسب بل ان الكثيرين لم يفلتوا من كلمات مطرزة ب”الاهانة” من قبل الطروانشي سربست وعلى ابسط الامور، واتذكر ان مغنيا ايزيديا كان ضيفا لاذاعة “صوت كوردستان شنكال” والاذاعة كانت في مقر الفرع ١٧ للحزب، وخلال خروجه من الاستوديو كان طروانشي ايضا خارج غرفته، فحين ذهب ذلك المغني لمصافحته ودون اية كلمات تدعوا للاعتذار قال له طروانشي “يدي ليس نظيفا” فسحب ذلك المغني يده وهو يشعر بالخجل، ومئات المواقف الاخرى الشبيهة قد حصلت “باهانة”، وكتم افواه الناس على ابسط المواقف.
سربست الثاني
كان للتغيير الذي حصل في الهيكل الحزبي نقلة نوعية كبيرة للتخلص من دكتاتورية حزبية صريحة لم تشهدها شنكال في زمن مثلما شهدتها في زمن الطروانشي سربست. الا ان هياكل كثيرة بقت كما هي، واوعز ذلك الى كتل الفساد المتراكمة، وتلطخ ايادي الكثير من المسؤولين الحزبيين والاداريين فيها، وهي ما اصدمت السربست الثاني البابيري، وجعلته بلا موقف من احداث تغيرات جذرية في الدوائر الخدمية. على الرغم من ان شنكال في عهده قد دخلت عهدا جديدا لم تكن الناس لتخاف من قول الحقيقة، والنشر على كائن من كان وباسمائهم الصريحة ودون اللجوء الى التخفي وراء اسماء مستعارة.
البابيري كان على خلافات كثيرة مع قيادات البيشمركة ورؤوسها في شنكال ومنهم سعيد كيستەيى وخاصة بعد دخول داعش اغلب المناطق القريبة من شنكال، واستيلاء المسؤولين البارتيين العسكريين منهم والمدنيين على كميات كبيرة من الاسلحة والذخائر، واشياء اخرى ثمينة مقابل عبور قادة الجيش العراقي الهاربين من المعارك. وتوزيع الغنائم جعلت المسؤولين في صفوف مختلفة.
“استند البابيري على اشخاص همهم جمع المال، ما جعل البارتي يخسر جماهيره”
القرارات بشان حماية شنكال من خطر داعش القريب جدا كانت تتخذ بمعزل عن الاجماع، ليس هذا فحسب وانما ايضا اعضاء الفرع ١٧ فيما بينهم كانوا متضادين على اكثر من محور. وهم في الحقيقة كانوا اعداء حقيقيين تجمعهم فقط بناية الفرع ١٧، ولكن الرؤوس الحزبية الكبيرة كانت تتحكم بتلك الانشقاقات وتحديدا من الغرف المظلمة داخل المكتب السياسي وهم معروفين لاغلب اعضاء الفرع.
البابيري كان متلونا جدا لدرجة لا تعلم ان كان علمانيا، او متدينا. ففي ايام رمضان كان الفرع يتحول الى جامع اسلامي ويمنع فيه حتى شرب الماء، وابواب غرف مكتبه كانت مطرزة بعبارة “محمد قدوتنا” ومدير مكتبه كان ملا وهو الذي كان يغذي هيئة علماء السنة في شنكال وينظم اجتماعتهم مع سربست الثاني.
في المقابل وتحديدا في انتخابات مجالس المحافظات ٢٠١٠ رشح البابيري شخص مسلم في مجمع من مجمعات شنكال السكنية وحث الايزيديين على التصويت له، لدرجة انه قال ليلة الانتخابات ان “فوزه بمثابة فوز الكل لقتل الطائفية بين الناس” ولم يكن يعلم ان ترشيحه بحد ذاته يعتبر اكبر طائفية في شنكال. وذلك ما جعل الايزيديين يعادون قراراته التي اخطأ في عدد كبير منها، ذلك من خلال استناده على اشخاص قريبين همهم الوحيد هو ارضاءه وجمع المال من خلاله. ما جعل البارتي ان يخسر نصف جماهيره في شنكال حتى من كوادره القريبين.
البابيري كان قد خدع قبل الابادة عندما اخبرته قيادته بالبقاء والدفاع عن شنكال، وبانه سوف يحصل على امدادات عسكرية. وكان يقول دائما “أنا أتحدث مع اخ الرئيس وأستشيره في قراراتي بشنكال” الذي لم يكن قد زار شنكال ولا مرة في حياته، حتى يعرف عن جغرافية المنطقة ما يمكن ان يحفظها من داعش!
الحقيقة تقول ان السربستين الاول والثاني خرجوا الايزيديين بابادتين لم يشهد العالم مثيلا لهما، واصبحا مع طاقمهما من اغنياء دهوك على حساب ما يتم صرفه لفقراء شنكال، الذين لم يفتح لهم البارزاني وقيادته لهم بابا الا من خلال مبعوثيه لشنكال، والذين كانوا ولازالوا مذللين، مخدوعين، واضعف الضعفاء بسبب قيادات البارتي التي استصغرتهم، وباعت واشترت بهم، وحتى تسببوا في زرع الطائفية في مناطقهم كانوا في غنى عنه وهذا غيض من فيض.
- کاتب وصحفي وناشط مستقل من شنگال مقيم في المانيا.
(المقالات تعبر عن رأي الکتاب ولا تعبر عن رأي صفحة وجريدة (روز ارتيکل))