خسائر بشرية أقلّ ما يقال عنها كبيرة، عدا الشرخ الذي حدث في المجتمع الكوردي، كان حصيلة الحرب الأهلية بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، والتي جرت بين 1994 و 1997.
استمرت المواجهات بين الجانبين، إلى أن تم التوصل إلى اتفاق، برعاية أميركية، وذلك بعد إصرار واشنطن على وقف المعارك بين الطرفين، إذا كانا يريدان أن يكونا من الجماعات التي ستتعاون معها في تحريرالعراق من نظام الطاغية صدام حسين.
وبعد الضغط الأميركي وقّع زعيما الحزبين، في الشهر التاسع عام 1998 اتفاقية سلام بحضور وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك مادلين أولبرايت في واشنطن. اتفق خلالها الطرفان على مشاركة العوائد والسلطة ورفض استخدام إقليم كوردستان، على يد حزب العمال الكوردستاني وعدم السماح للقوات العراقية بدخول المناطق الكوردية.
ذات التجربة يعيشها الكورد في كوردستان سوريا لكن بفارق، أحد الطرفين الكورديين المتمثل بالمجلس الوطني الكوردي، لا يملك السلاح والمال، والذي عمل سياسياً مع المعارضة السورية، كما دعا الى اسقاط النظام البعثي بكل مرتكزاته ورموزه ودعا الى سوريا دولة ديمقراطية تعددية اتحادية منذ تأسيسه. وحزب الاتحاد الديمقراطي وهو الجناح السوري لحزب العمال الكوردستاني الذي فرض نفسه بممارساته القمعية، والذي بقي رماديا في مواقفه من النظام والثورة السورية، كما عمد الى تضييق الخناق على أعضاء ومؤيدي المجلس الوطني الكوردي والنشطاء الذين رفضوا ممارساتهم وسياساتهم، ما جعل الآلاف منهم يضطر الى الهجرة الى الخارج.
بعد سوء العلاقة بين الطرفين دعا الرئيس مسعود بارزاني “الأحزاب الكوردية السورية” إلى اجتماع في هولير بتموز 2012، واتفق الطرفان على تشكيل هيئة كوردية عليا مهمتها رسم السياسة العامة وقيادة الحراك الكوردي في تلك المرحلة المصيرية واعتماد مبدأ المناصفة. لكن سرعان ما طفت الخلافات وباتت أحلام الكورد في كوردستان سوريا في مهب الريح.
وبهدف مشاركة الكورد في مؤتمر جنيف2 برؤية سياسية موحدة، وفي محاولة جديدة للرئيس بارزاني، اجتمع الطرفان مرة أخرى في تشرين الثاني 2012 في هولير، واتفقوا على موقف موحد حول سورية دولة ديمقراطية، برلمانية، اتحادية، وعدّ الكورد قومية ذات وحدة سياسية، جغرافية متكاملة، ويتم الإقرار الدستوري بحقوقهم وفق العهود والمواثيق الدولية، ورغم حساسية المرحلة كانت الخلافات مرةً أخرى سبباً في جعل الاتفاقية حبراً على ورق.
تلت الاتفاقيتين السابقتين، توقيع اتفاقية دهوك في تشرين الأول 2014 حيث ترقب الكورد بشغف دخول الاتفاقية حيز التنفيذ ولكن اتضح تماماً أن الخلاف جوهريٌ وسياسي يمنع أي اتفاق بين الطرفين، وتوصل غالبية الشعب الكوردي آنذاك الى قناعة تامة أن تلك البنود التي يتم التوقيع عليها من قبل سياسييه ليست إلا توافقات آنية وليست اتفاقيات تصب في صالح الشعب الكوردي.
ورغم الخسائر الفادحة في أرواح الشباب الكورد في حرب الرقة ودير الزور ومنبج… ضد داعش، تلك الحرب التي دعمتها أميركا، لم يستطع حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يقود الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، حماية المناطق الكوردية فجاء احتلال عفرين وسري كانيية/ رأس العين، وكري سبي/ تل أبيض، بسبب تفرّد حزب الاتحاد الديمقراطي في اتخاذ القرارات المصيرية حسب إيديولوجيته.
وبعد الشلل الذي أصاب مؤسسات ومكاتب المجلس الوطني الكوردي، وهجرة الآلاف، والسوء الذي عصف بالوضع المعيشي، مع انهيار الليرة السورية مقابل العملة الأجنبية في كوردستان سوريا، خرج السفير وليام روباك، نائب المبعوث الأمريكي الخاصّ للتحالف الدولي الى سوريا، ليجبر الطرفين الكورديين على التوافق، بعد التحرك الأخير لبلاده لحل الأزمة السورية بشكل جدي لحماية مصالحها في المنطقة.
وبعد طول انتظار، والسرية التي كانت تغلّف الحوار، خرج المجلس الوطني الكوردي واحزاب الوحدة الوطنية التي تدور في فلك حزب الاتحاد الديمقراطي، في السابع عشر من الشهر الجاري، ليعلنوا عن التوصل إلى تفاهمات أولية حول وحدة الصف الكوردي، واعتبار اتفاقية دهوك عام 2014 أساساً لمواصلة الحوارو المفاوضات الجارية.
وبمجرد قراءة البيان يتبادر الى الذهن سؤالاً: هل حقّاً يحتاج الكوردي صفعةً أميركية ليتفق مع أبناء جلدته؟، ألم يكن الزعيم الكوردي مسعود بارزاني راعيا لذاك الاتفاق قبل روباك؟ ألم يكن الطرفين اللذين وقّعا على اتفاق اليوم هم ذاتهم من وقعوا على اتفاق أمس وأقصد به اتفاقية دهوك؟
التاريخ يعيد نفسه .. فلولا الأميركيين لربما ما اتفق الحزبان الرئيسيان في إقليم كوردستان في التسعينات، رغم دعوة البرلمانيين آنذاك الى وقف الاقتتال، ويدعو الكوردي إلهه اليوم أن يكون التدخل الأميركي ذا فائدة لكورد سوريا وأن لا تذهب جهود روباك الذي عاد الى واشنطن ليخبر مسؤوليه عن الانجاز الذي أحرزه سدىً.
- (المقالات تعبر عن رأي الکتاب ولاتعبر عن رأي موقع أو جريدة روز ارتيکل)