لطالما كانت مشكلة التحرش من القضايا المسكوت عنها في المجتمع العربي. هذه المشكلة تتعدى كونها تحدث في بلد واحد وخطورة انتشار ظاهرة التحرش وتحولها الى وحش لايمكن السيطرة عليه. وان ظاهرة التحرش غير مرتبطة وليس لها علاقة بما ترتديه المراة من ثياب او بشكلها الخارجي، حيث ان هناك العديد من الحوادث لفتيات محجبات ولبسهن غير فاضح ومستور وتعرضن للتحرش والتي لايمكن ابدا ان تستخدم كعذر لتبرير التحرش. وان هذه الظاهرة منتشرة وعلى مراى ومسمع من الجميع وان في كثير من الحالات يحصل تواطئ لتبرئة الرجل. وعلى الرغم من ان القوانين الحالية اصبحت لصالح المراة وتدين المتحرش، الا ان العرف الاجتماعي غالبا ما يطلب من المراة او الفتاة التي تتعرض للتحرش ان تصمت ولا تتحدث عن الواقعة. ولطالما ان هناك تواطئ وصمت عن هذه الجريمة ستظل مستمرة وسنظل نخاف على انفسنا وعلى بناتنا في المستقبل. ويمكن للتحرش ان ياخذ اشكالا مختلفة مثل النظر المتفحص, التعبيرات الوجهية, النداءات, التعليقات، الملاحقة او التتبع, الصور والفديوهات الجنسية عبر الانترنيت, اللمس, التهديد والترهيب, التلميحات. وان التحرش يحدث في الاماكن الخاصة والعامة حيث يحدث في اماكن العمل, الشوارع, المواصلات العامة, المدارس, الجامعات، المطاعم, الاسواق التجارية, عبر الانترنيت وغيرها. ان مرتكبي التحرش قد يكون افرادا او مجموعات وقد يكون غريبا او احد معارفك, صاحب عمل, موظف، زميل, احد المارة. ان التحرش ليس ابدا حادثا عاديا يمكن تجاهله ولا يمكن على الاطلاق ان يترك الامر للمتحرش ليقرر ما الذي يعد تحرشا وما الذي لا يعد تحرشا. ان التحرش جريمة وانها لاتعتبر غلطة الشخص المتحرش به او المعتدى عليه ابدا، فالتحرش باحدهم هو اختيار يتخذه المتحرش بغض النظر عن ملابس الشخص المعتدى عليه او تصرفاته. ان جريمة التحرش ليست بجديدة على المجتمع وتعتبر من العلل النفسية. لذا هي موجودة سابقا ولكنها تفاقمت وازدادت في الفترة الاخيرة. واسباب ذلك تعود لكل من الاسرة والمجتمع والقانون، حيث تتمحور مسؤلية الاسرة في تفكك الاسرة وضعف الوازع الديني والفراغ الفكري ووجود وقت طويل لدى الشباب، مما يجعلهم فريسة لهذا البلاء والتربية السيئة وعدم المتابعة والسؤال عن الابناء عن الاماكن التي يرتادونها وعن الوقت الذي يقضونه خارج المنزل. وتتمثل مسؤولية المجتمع في قلة التوعية والتثقيف، حيث العادات والتقاليد والاعراف الخاطئة المغروسة في اذهان الرجال والثقافة الذكورية والمبررات المجتمعية وتعميم ان الرجل لايعيبه شيء وانهم احرار في تصرفاتهم ولا حرج عليهم، بالاضافة الى المواقع الاباحية المجانية التي اصبحت في متناول الجميع التي ساهمت في اثارة الفرد وتحويل غريزته الطبيعية لهوس وادت الى شيوع ظاهرة التحرش في مجتمعنا. بالاضافة الى استغلال بعض اصحاب السلطة لمناصبهم في اقتراف هذا الفعل تجاه موظفيهم. وان القانون هو ايضا سبب في شيوع هذه الظاهرة من ناحية عدم تجاوب السلطة القضائية مع هكذا حالات وعدم اخذ الامر بجدية وعدم وجود رادع قوي. حيث يستهان بهذه الحالات التي ادت الى استمرار المتحرش في مضايقة ضحاياه وابتزازهم لانه يعرف لن يحاسب ولن يعاقب على فعلته لان السلطة القضائية لاتعترف بشكوى المراة لحالة تحرش الا اذا كان لديها ادلة وفي مقدمة تلك الادلة هي الشهود. وبالتالي فان صمت بعض النساء من تحريك دعوى جزائية يعود سببه للحياء المجتمعي والفضائح وخوفا من ان تصبح منبوذة في مجتمعها مستقبلا ولاجل الحد من هذه الظاهرة التي باتت تؤرق الفتيات في المجتمع العراقي واجب على السلطات القضائية وضع قوانين رادعة يجب ان يكون هناك قانون صارم يهابه الناس. فتوفير الحماية القانونية يبعث بالاطمئنان الى تقليصها وعدم تعرض الفتيات الى هكذا حالات تسبب لهم الاحراج المجتمعي والاذى النفسي وبالنسبة للمواد القانونية المختصة بهذه الجريمة هي كل من مادة 400 و401 و 402 من قانون العقوبات العراقي النافذ والتي تصل العقوبة فيها الى الحبس لمدة سنة وغرامه مالية لكل من طلب امور مخالفة للاداب، بالاضافة الى عدم اغفال دور المؤسسات التربوية والتعليمية في التنبيه لهذه الظاهرة السلبية وتوجيه الجيل الجديد نحو فكر رافض للتجاوز على حرية الاخرين. اما بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني فيتمثل دورها بالتزام نهج يعنى بمكافحة الممارسات اللااخلاقية ضد المراة واعتبار ان ذلك يمثل اولوية في استراتيجياتها وبرامجها ومشروعاتها. ولا ننسى دور وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي في دعم المراة والمتابعة الدقيقة من قبل الاهالي لاولادهم ومعرفة تفاصيل حياتهم وغرس مفهوم احترام المراة في عقولهم وتوفير الامان لها. عزيزي الرجل اذا كنت لاتقبل بهذا الفعل ان يقع على امك او اختك او زوجتك او بنتك او احدى اقاربك فلا تقبله على غيرك اذا تفننت في الافلات من العقاب فلن تفلت من قبضة القدر فالجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان ولاحظ ان التحرش ليس دليل على الذكورة وان الغالبية يعتبرونه شخص منحرف.
- محامية.
(المقالات تعبر عن رأي الکتاب ولاتعبر عن رأي موقع أو جريدة روز ارتيکل)