كفاكم إتصالاً، فلن يرد عليكم أحد!

لقد فتحنا اعيننا على هذه الدنيا ونحن نرى الناس وهم يرفعون أيديهم الى السماء للدعاء، وتقديم الطلبات الخاصة والعامة، السريعة والمستقبلية. وليس هذا حكراً على دينٍ بعينه، بل هو وصفة مشتركةٌ لجميع الأديان والمعتقدات. ولا يهم من يجلس في الجانب الاخر لاستقبال إتصالاتنا هذه، فيمكن أن يكون ما يؤمنون به حجراً او حيواناً او قمراً او شخصاً أو إلٰهً وهمياً أو مهما كانت هيئته وشكله، المهم إن من أو ما يؤمنون به حيثما كان شكله أو معدنه فهو بالنسبة لهم هو الخالق والمُخلْص والفاني… والخ من الصفات والمعجزات. انا لا اريد هنا الدخول في مناقشة ماهية الالٰه أو وجوده او عدم وجوده، بقدر ما اريد أن أحاول القول بان هذا الالٰه أٌيً من كان، فهو/هي ليس/ليست صندوقاً لتحقيق الطلبات والأمنيات والرغبات، لان تحقيق هذه الأمنيات والطلبات يحتاج الى العمل والجهد المتواصلين لتحقيقهما. عندما تمرض لا تحتاج الى الاتصال بالسماء فقد فعلها اجدادك لآلاف السنين وقد ماتوا بسبب فيروس او بكتريا او ما الى ذلك وهم ينتظرون رد السماء، الذي لن يأتي أبداً. عندما تقع في مشكلة مادية تحتاج للعمل وليس الاتصال بالعالم الاخر. عندما تريد الحرية والاستقلال وحقوقك كبشر، فهذا يحتاج للعمل والنضال وليس الجلوس في الجامع او الكنيسة او بيت النار او تحت ارجل البقرة وتقديم عريضة بمطالبك. فالطبيب يعالج ويشفي والمهندس يخطط ويبني والمعلم يعلم ويساعد والكناس ينظف والعامل يعمل ويبني ويصنع والعالم يكتشف ويخترع وهكذا دواليك، ولن تحصل على شيء من كل هذا بتقبيل الحجر الأسود او الجلوس خاشعاً تحت الصليب او البكاء عند الحائط أو الدوران حول النار أو تقديس البقرة.

هل فكرت يوما بعدد الأديان والأنبياء والآلهة في هذه الدنيا، هل فكرت يوما بأن الفرق بينك وبين من لا يؤمن بأي إلٰه، هو إنك تؤمن بإلٰهٍ واحد وتُكَفّْر بمائة الٰه أخر، ومن لا يؤمن يُكَفّْر بمائةٍ وواحد من الآلهة، فرقٌ بسيط جداً أليس كذلك. هل فكرت يوماً بكل هذه الأديان والأُناس الذين يؤمنون بهذا الكم الكبير من الآلهة والأديان، كم منهم على حق وكم منهم على باطل، كم منهم يُكَفِّرْ بالبعض الاخر، كم مرة رأيت فيه إلٰهاً يَنصِر من يؤمن به، كم مرةً رأيت فيها الالٰه ينزل أو يخرج من مخبأه كي يحل مشكلةً أو يعالج مريضاً أو يساعد في إشباعِ صغير يصرخ من الجوع والألم أو و أوإن إيماننا بهذه الآلهة كأيمان الأطفال بالشخصياتِ الخيالية مثل بابا نوئيل أو باتمان أو سوپرمان. وكأيمان الفتاة التي تنتظر طوال عمرها الفارس الذي يركب حصاناً أبيضاً كما شاهدت في التلفاز أو سمعت جدتها وهي تحكي حكايته مع الأميرة المسجونة، أو مثل الشاب الذي يجلس على الشاطئ وهو ينتظر ويتخيل اللحظة التي تخرج فيها حورية البحر لتأخذها معه الى أغوار البحار وتهديه حبها وعشقها الأبدي.

كفاكم إيماناً بالخرافات والمعجزات، فالمعجزة الحقيقية موجودة فيكم، ولو دَعَونا عقولنا وأجسادنا كما ندعو الآلهة، لكنا الان قد حققنا امانينا ومطالبنا، بدلاً من الانتظار لآلاف السنين كي يصلنا رد الالٰه هذا. فليكن إيمانكم خالصاً نقياً بعيداً عن المصالح، ولا تعاملوا الالٰه كأنه عفريت يخرج من الفانوس ليحقق لكم الطلبات والأمنيات؛ وليكن أيمانكم بينكم وبين من تؤمنون به، ولا تجبروا أحداً كي يفكر مثلكم، فيمكن ان تكونوا على خطأ في النهاية. دعوا الناس يفكرون ويؤمنون حسب قناعاتهم، لان الإيمان بالالٰهِ هو مثل الحُب، لا تستطيع أن تجبر عليه احد، ولا تستطيع أن تخرجه من قلب أحد. فالايمان الحقيقي هو الحب الحقيقي. فاتركوا الناس يقررون ويعملون لآخرتهم كلٌ حسب قناعته؛ ولكن فكروا وأعملوا وساعدوا وانصحوا واطلبوا وضعوا ايديكم في ايدي البعض الاخر كي تبنوا دنياكم وحياتكم وأوطانكم. وكفاكم الاصغاء لرجال الدين هؤلاء وهم يضحكون عليكم ويستغلونكم، فها هم يتحدثون لآلاف السنين، ماذا صنعوا او فعلوا غير نشر الحقد والكره والجهل والعنف. فتأكد بإنه إذا ما وجد هناك إلٰهٌ حقيقيٌ، خلق كل هذه الكائنات والأكوان والمجرات، فلن يطلب من تافهٍ مثلك كي تدافع عنه أو غبي مثله ليُظهر عظمته. فيكفي إلٰهك هذا ان تكون بشراً وإنسانا، وان يكون لك القدرة لتدافع بها عن نفسك وحقوقك وحقوق أولادك، ولا تفسد صناعته في خلقهِ.

  • مدير تحرير موقع روز ارتيکل الالکتروني.

Related posts

Leave a Comment