هل حقاً تأسس الحزب الشيوعي العراقي في ٣١ أذار ١٩٣٤؟

كتبت بحثاً غير منشور سنة ١٩٩٨ عن موقف الحزب الشيوعي العراقي من القضية الكوردية. وفي ذلك البحث تطرقت لتأسيس هذا الحزب، ورايت بانه من المناسب في هذا اليوم أن أشارككم ما كتبته عن تأسيس هذا الحزب في ذلك الوقت. إن أكثرية المصادر المتعلقة بهذا الحزب والذين كتبوا عنه يؤكدون على إن هذا الحزب تأسس في ٣١ من أذار ١٩٣٤. ويقول يوسف سلمان (فهد) في كتاب “من وثائق الحزب الشيوعي العراقي، كتابات الرفيق فهد” نسخة بيروت ١٩٧٦، بأن الحزب الشيوعي العراقي تأسس في عام ١٩٣٤. وفي رحلتي الطويلة مع المراجع المختلفة عن هذا الحزب وتأريخه، رأيت بأنه هناك خطأٌ ما في تحديد هذا اليوم كذكرى لتأسيس هذا الحزب. وبعد دراسة طويلة للمراجع الموجودة بين يدي في ذلك الوقت شد انتباهي كتاب الأستاذ حنا بطاطو.[1] وذلك في كتابه الثاني حيث يشير فيه بأن تأسيس هذا الحزب كان في يوم ٨ أذار ١٩٣٥.

وحسب ما كان موجودا بين يدي من المعلومات (وأرجوا أن لا تخونني ذاكرتي)، فقد رأيت في ذلك الحين بأن رأي الأستاذ حنا بطاطو هو الصائب، أو على الأقل فأن تأسيس هذا الحزب لم يكن في ٣١ آذار ١٩٣٤، وقد ذهبت لهذا الرأي لعدة أسباب: ١- يقول الأستاذ حنا بطاطو بأن الحزب أصدر المانفيستو بيان اللجنة المؤسسة في ١١ أذار ١٩٣٥، وفي نفس الوقت أورد حاجي مغديد في كتابه (حزبی شیوعي عيراق، دامەزراندن وسەرەتایی رەەوتی…)، كلاماً لزكي خيري بأنه تم نشر أول بيان للحزب في ١٩٣٥ أي بعد ما يقارب عاماً على تأسيس هذا الحزب، وهذا ما يناقض الواقع، حيث إن مثل هذه البيانات التأسيسية للأحزاب تأتي مباشرة بعد التأسيس أو بعد يوم أو يومين أو أسبوع ولكن ليس بعد سنة. وهذا ما يدعم كلام الأستاذ بطاطو من أن التأسيس كان قبل ثلاثة أيام من أعلان المانفيستو. ٢- عدم مشاركة يوسف سلمان في اللجنة التأسيسية للحزب، يثير عددا من التسائلات التي لا يمكن الإجابة عليها. لأنه كان موجوداً في العراق أنذاك، حيث إنه هاجر العراق للدراسة في جامعة كادحي المشرق في أواخر عام ١٩٣٤حسب بعض المصادر، ويؤرخ بطاطو هجرته في ٢شباط ١٩٣٥. والروايتين تظهران أو تثبتان شيئاً واحداً وإجابة صريحة على عدم مشاركة يوسف سلمان في تأسيس الحزب، لانه كان خارج العراق للدراسة عند تأسيس الحزب في ١٩٣٥، فلو كان التأسيس في أذار ١٩٣٤ لكان يوسف قد شارك في التأسيس بأعتباره من أوائل الشيوعيين في العراق ومن مؤسسي هذا الفكر. ٣- ذكر أسماء عاصم فليح وقاسم حسن باعتبارهم من مؤسسي هذا الحزب، ولكن المصادر تشير على إن هذين الشخصين لم يكونا موجودين في بغداد يوم التأسيس أي في ٣١ أذار١٩٣٤. حيث تشير المصادر ومنهم حنا بطاطو الى أن عاصم فليح عاد من موسكو في ١٨ أب ١٩٣٤، وإن قاسم حسن كان مسجوناً في الناصرية حيث أطلق سراحه في ٢٤ كانون الثاني ١٩٣٤ معتمداً في ذلك على ملفات الشرطة العراقية. وهذا ما يدعم بأن التأسيس كان في ١٩٣٥. ٤- يقول نصر سعيد الكاظمي في كتابه مساهمة في كتابة تأريخ الحركة العمالية في العراق بأنه “منذ الأيام الأولى لتأسيس الحزب برزت الحاجة الى ان يحدد موقفاً واضحاً تجاه الانتفاضات العشائرية التي اندلعت في مطلع ١٩٣٥ في الرميثة والديوانية وسوق الشيوخ” وهذا الكلام يشير بشكل جلي بأنه عند تأسيس الحزب، كانت هناك حركات او انتفاضة عشائرية في الجنوب. وقد أخرج الحزب بياناً بهذا الشأن في ٢١ أذار ١٩٣٥، وهذا أيضاً مما يدعم بأن التأسيس كان في أذار ١٩٣٥. ٥- يشير محمد الشاطئ في رسالته للماجستير المقدمة لمعهد التاريخ العربي، والذي اعتمد فيها على وثائق وزارة الداخلية في ذلك الوقت والمعنونة ب(الدعاية الشيوعية) بأنه كان من بين المؤسسين البارزين في الاجتماع التأسيس للحزب في ٣١ أذار المدعو زكي خيري، وهذا ما ينفيه معظم المصادر، حيث لم يشارك زكي خيري في الاجتماع التأسيسي.

وأهمية هذه المعلومة تكمن في أن المعلومات التي تشير اليها الكثير من المراجع والوثائق عن تأسيس الحزب في ٣١ أذار ١٩٣٤ تشوبها الكثير من الأخطاء وعدم دقة المعلومات، وهذا ما يجعلنا نشك في تأريخ تأسيس هذا الحزب العريق في العراق. ولكن ارجع وأقول بأنني لا أستطيع الحصول على الملفات والوثائق التي كانت موجودة في تلك الأيام سواء أكانت عند الشرطة أو الوزارات أو الكتاب أو الحزب الشيوعي نفسه. لذا يبقى هذا السؤال بحاجة الى الكثير من البحث والمتابعة، وحتى ذلك الحين مبارك للحزب الشيوعي تأسيسه في ٣١ أذار.

  • مدير تحرير موقع روز ارتيکل الالکتروني.

[1] كنت قد حصلت على هذا الكتاب القيم من استاذي العزيز أمين يونس ئاميدي، حيث لم يكن ذلك الكتاب متوفراً في المكتبات الموجودة في دهوك أنذاك. له كل الشكر والاحترام.

Leave a Comment

پۆستی ئەلیکترۆنییەکەت بڵاوناکرێتەوە. خانە پێویستەکان دەستنیشانکراون بە *

Scroll to Top