“أنا عراقي!”

نحن الكورد شعب قديم بتأريخه وعريق بحضاراته المفقودة والمسلوبة، سواء غصبا أو غباءا. عندما نتفقد صفحات التاريخ العالمي نحس بالفخر والخزي في آن واحد. نفتخر بأمة عريقة موجودة وبقوة في بلاد ما بين النهرين، كان لها الشأن الأكبر في كل الحضارات التي قامت هناك، وكان لها التأثير في العالم اجمع وعلى جميع الأصعدة والنواحي. ونحس بالخزي والعار لأننا لم نعرف كيف نحافظ على هذا الإرث الكبير، ولم نستطيع حتى الدفاع عن هذا الاسم الذي كان الرقم الأصعب في معادلات الحضارات القديمة في العالم. تحدثت قبل فترة ليست بالبعيدة مع احد الشباب الكورد في خارج الوطن عن التاريخ الكوردي والقومية وما يمثله هؤلاء الشباب لمستقبل هذا الوطن والقومية التي باعها أولادها الموجودون على الساحة بابخس الأثمان. ولكنني صدمت حين سمعته وهو يحاول ان يسلب الكورد وكوردستان ما يخجل أن يسلبه حتى اكبر اعدائه إياه. كان يحاول جاهداً ان يظهر هذا التاريخ وكأن هذا الشعب ومنذ آلاف السنين وحتى القرن الأخير لم يقوموا او يفعلوا شيئا غير العيش في الكهوف وصيد الحيوانات والنكاح. والمصيبة بأن ما كان يحاول الوصول اليه لم يكن مصدره معلومات تاريخية او دراسات موثقة بل كان نتاج فكر حقير وغبي لمجموعة من الإعلاميين والسياسيين والمثقفين! الذين يصرخون ليلا ونهارا على صفحات التواصل الاجتماعي وشاشات الاعلام الفاشل في الإقليم.

هذا الشاب أنهى كلامه بجملة أوجعتني أيما وجع؛ عرفت حينها بأن ما نعيش فيه وما عشناه لحد اليوم نتيجة حتمية لا يتحمل مسؤوليته العرب او الترك او الفرس بل نحن فقط؛ قال لي: “يقول أبي نحن عراقيون ونفتخر بذلك، ولا أرى ما تتحدث عنه وعن القومية، إلا وهماً ومرضاً في العصر الحديث، عصر العولمة والايفون ووو…”. لقد إسكتني كلامه لايامٍ وأسابيع وجعلني أعيش حالة من الحزن والخجل لم اعرفه سابقا رغم كل ما أراه من الألم والفساد والخيانة. فها نحن امام معضلة لن يهتم بها الفاسدون وسيضحكون عند قراءة المقال، ولكنه بالنسبة لمحبي الوطن والمثقفين الحقيقيين والقوميين المخلصين، يعني المسمار الأخير في نعش الدولة الكوردية ومستقبل الكورد وكوردستان. لانه عندما يصل المرض وأيما مرض، الى هؤلاء الشباب وهم في خارج الوطن وهم يَرَوْن بأُم اعينهم هذه الأوطان المتقدمة ويرون عشق وفخر هؤلاء الشعوب بأوطانهم وقومياتهم وتاريخهم مهما كان شكلهُ وموقعهُ، رغم إنهم أصحاب هذه الاكتشافات من الإنترنت والايفون والتكنولوجيا وهم يعيشون في أوج العولمة. وقد زادهم كل هذا عشقاً وحباً حقيقياً لاوطانهم، وليس العكس كما يفكر شبابنا أو يتوهم البعض منا.

فكرت في نفسي قليلاً وفكرت وتمعنت بما حدث للكورد على ايدي محتليه ومغتصبي ارضه من العرب والترك والفرس، من قتل ودمار وهلاك لم يعرفه العالم من قبل. تذكرت ما يقوله قادة وسياسيوا ورجال الفكر في هذه الدول عن الكورد وقوميتهم، وكيف يحاولون كسر الكوردي واهانته وسلبه كل حقوقه حتى حق الكلام والشعور والحزن والفرح؛ وما زال أكثر الكورد يقولون وبفخر “أنا عراقي”، “أنا تركي”، “انا فارسي”. وقارنت كل هذا، بشعوب وقوميات أخرى في هذا العالم الفسيح، اصبح لي شرف معرفتهم عن قرب وليس من خلال الكتب والجرائد والصور والأفلام. وعرفت سبب بقائنا عبيدا وجواري لحد اليوم. فنحن شعب نحب ونعشق ارضنا ولكن بشروط، نحب ونعشق قوميتنا بقانون الربح والخسارة، لانها بالنسبة إلينا أصبحت تجارة، نعشق ونحب تاريخنا بخجل، ليس هناك هدف يوحدنا، ولكن هناك الف هدف يفرقنا. ليس لدينا مقدسات، فكل شيء في حياتنا وقوميتنا وارضنا وتاريخنا قابل للبيع والشراء. المقدس الوحيد لدينا هو مصلحتنا الشخصية وعداوتنا وكرهنا لبعضنا، سواء داخل العائلة الواحدة او العشيرة الواحدة او المدينة الواحدة او داخل الإقليم الواحد او بين الأجزاء المحتلة. فهنييئا للمحتل بهذا الشعب الذي باع ماضيه وحاضره ومستقبله ورمى بنفسه بين أحضان مغتصبيه.

لطالما فكرت لو كان من يحتل كوردستان وشعبه كان بلدا متقدما وديمقراطيا، ما الذي كنا سنفعله مقارنة بما نفعله الان مع هذا المحتل الهمجي في أجزائه الأربعة؟! هؤلاء المحتلين الذين يتصدرون قوائم الفساد والإرهاب والتخلف والديكتاتورية و…الخ. ولكنني سأظل أقول وأفتخر حتى ولو كنت وحيدا في هذا الامر، أنا كوردي وأرضي كوردستان المحتلة بكل أجزائها وأفتخر بتأريخ أجدادي منذ أن وجدوا ولحد اليوم، وأفتخر بنضال هذا الشعب مهما كان لونه أو دينه أو طائفته أو مذهبه أو لهجته أو حزبه، ولا أغير أو أقايض أحقر أبناء بلدي أو أوسخ نقطة في أرض وسماء بلدي بكل أرض المحتل ومقدساته، وسأظل أؤمن بأن الدولة الكوردية قادمة وهو حق وحقيقة وليس منِيةً أو حلم.

  • مدير تحرير موقع (روز ارتيکل) الالکتروني.

Leave a Comment

پۆستی ئەلیکترۆنییەکەت بڵاوناکرێتەوە. خانە پێویستەکان دەستنیشانکراون بە *

Scroll to Top