يبدو أن فرصة الوصول الى موقع القرار كعمى الألوان. وهو المرض الذي أصيب به معظم من وصلوا من خلال القضية الايزيدية الى موقع الحساسية. ووحدانية القرار هناك أرغمت الكثيرين على السقوط. سقوط أشبه بالانتحار، مما أدت الى زوال هيبة الايزيديين في محيطه الكوردي والعربي.
الأيزيديين ومنذ العقد الأخير افتقدوا سلطتهم على ذاتهم، وتحولوا الى منفذين مطيعين حتى بما يخص مراسيمهم الدينية. بعد ان تحولت السلطة الدينية المتمثلة بالهرم الروحاني ومن حولهم الى كوادر حزبية في الحزبين الكورديين. يقابلهم معارضة من العائلة الاميرية ككوادر عروبيين يتخذون من المحيط الى الخليج موطئ قدم لفضح الطرف الكوردي من عائلتهم. وهي المعارضة التي لم تنجح حتى الان في تثبيت هويتها خوفا من ذلك الوسيط الذي يقف خلفهم والمتمسكين بالهوية الأيزيدية الحرة والخالية من التكريد والتعريب.
الهرم الروحاني الايزيدي وما فوقه من ايادي الامارة، أخرجوا أنفسهم بأنفسهم من السيطرة. ولم تعد رقابتهم، وسلطتهم، وهيبتهم تمشي على كائن من كان. تلك هي الفضاعة الأيزيدية التي تساوت بين الجميع في القعر. في ذلك الصراع المقيت على الوصول الى موقع القرار. وذلك من خلال عمليات التسقيط حتى بين الأخ وأخيه.
الا ان تلك الحملات لم تعد تقتصر على الهرم الروحاني وما فوقه من إمارة أيزيدية كثيرة الامراء، بل تحولت بامراضها المعدية الى كل بيت أيزيدي. وهو الصراع ذاته التي يعيشها الشنكاليين بعد عقود طويلة من تهميشهم الديني، والدنيوي أيزيديا.
الصراع هذا تحول من الدين والامارة، الى صارع عسكري تارة بين فصائل ايزيدية مسلحة مدفوعة كل منها من قبل طرف غريم، لطرف اخر مذهبيا ودينيا وقوميا وهذا على أرص شنكال. وتارة أخرى في الفضاء الحر عالميا بين اللوبي الأيزيدي عديد الاقطاب والرؤوس، والذي لم يحرك أي طرف خيط من القضية، الا وقابله طرف اخر يقطع الخيط وراءه، حتى باتوا اهل الخيم ومنذ أكثر من أربع سنوات ونصف مجرد عملة صعبة يتصارع عليها اقطاب أيزيدية متنافرة قبل غيرها.
كذب من قال أن الاحزاب الكوردية او غيرها تلعب بالورقة الأيزيدية. لأن القضية الأيزيدية بعد الثالث من اب ٢٠١٤ تقول عكس ذلك، والايزيديين الذين لهم اليوم تمثيل برلماني مستقل عن الاحزاب الكوردية في العراق، ومجاميع مسلحة خارج ارادة وسلطان الاحزاب الحاكمة في كوردستان، وسفيرة للنوايا الحسنة وحاصلة على جائزة نوبل للسلام تحلق دون أخذ الوعاظ من قادة الاحزاب السياسية الكوردية، ومنظمات أيزيدية دولية تصل الى اعلى مراكز السلطة، وتجتمع بكبار قادة العالم. فأين الرقيب إذا ما اراد أن يكون الأيزيدي أهلا لقضيته؟ ومن يستطيع أن يقف في طريقهم اذا شعروا خارج جيوبهم؟
من المعيب حقا أن يمتلك الأيزيديين كل هذه الامكانيات والنفوذ داخليا ودوليا، وليس بمقدورهم حتى الان الاتفاق على ابسط الامور فيما بينهم. ومن اهم هذه الأمور البسيطة اعادة توطين الايزيديين وانقاذهم من حياة المخيمات والتي تهدد السلم الاجتماعي للايزيديين، وانحلالهم في مجتمعات لم تتوانى عن اضمحلال هويتهم اذا ما سنحت لها الفرصة.
ومن المعيب ايضا أن الايزيديين بلا سقف يجمعهم وكل جهة تعمل في القضية وما جمعته من اموال تستطيع ان تبني القرى الايزيدية المحاذية للجبل، وليس بيتا او مركزا أيزيديا كي يجتمعوا فيه. والاكثر عيبا من كل هذا ان ابناء هذه الديانة وخلال اربع سنوات فقط اسسوا مئات البرلمانات، والاحزاب والبيوت، والمراكز، والجيوش الالكترونية. هدفها جميعا تسقيط جهة ايزيدية تقابلها في الافكار، وتعاكسها في الرؤى. مما حولت هذه القضية برمتها الى قضية صراع بين أخوة اعداء يدفع ثمن صراعهم ثلث سكان الايزيديين في العالم داخل خيم ممزقة، في حين جميع المتصارعين وعائلاتهم يعيشون خارج تلك الخيم.
- کاتب وصحفي وناشط مستقل مقيم بألمانيا
(المقالات تعبر عن رأي الکتاب ولا تعبر عن رأي موقع وجريدة روز ارتيکل)